تحميل...

في حضرة الاغتراب

رانية مرجية
نُشر: 10:38

ثمّة وجعٌ لا يسكن الجسد… بل يسكننا.

وجعٌ لا نراه في تقاطيع الوجوه، بل في صمت الأرواح حين لا يعود الكلام كافيًا.

هو الاغتراب،

لكن ليس عن وطنٍ أو لغةٍ أو مكان…

بل عن أنفسنا.

نبدو مكتملين أمام الناس، لكننا مكسورون بيننا وبيننا.

نضحك كي نخبّئ تلك المسافة الهائلة التي تفصل القلب عن الصدر،

والذاكرة عن الراهن،

والأمل… عن القدرة على أن نحياه.

هذا النص، وهذه القصيدة، ليست تأريخًا لألمٍ عابر،

بل شهادة على هذا النوع من الغربة التي لا جواز لها، ولا منفذ منها،

غربةٌ يُصبح فيها الإنسان غريبًا حتى عن صورته في المرآة،

وغريبًا عن حزنه، لأنه لم يَعُد يعرف له سببًا محددًا.

إنه الوجع الذي لا ينهزم…

الوجع الذي يقاوم.

ثَمَّةَ وَجْعٌ لَا يُفَسَّرُ بالأسى،

يَسْرِي بِدَاخِلِنَا كَطِفْلٍ مُؤْتَسى

يَمْشِي مَعَ الأَيَّامِ فَوْقَ جُرُوحِنَا،

وَيَنَامُ فِي لُجَجِ السُّكُونِ وَيَنْتَسى

لَكِنَّهُ، فِي كُلِّ نَبْضَةِ خَافِقٍ،

يَسْتَفْهِمُ الأَرْوَاحَ: كَيْفَ تَنَفَّسَا؟

لَا يَسْتَقِرُّ، وَلَا يُمَاتُ بِدَمْعَةٍ،

إِنَّهُ وِجْهٌ لِغُرْبَتِنَا، تَقَسَّى

نَحْيَا وَفِينَا مِنْ حُطَامِ شُرُوقِنَا،

مَا يَجْعَلُ الأَمَلَ الْيَتِيمَ مُنَكَّسَا

مَا كَانَ يُنْكِرُنَا، وَلَكِنَّهُ ابْتَلَى

فِينَا الحَنَانَ، وَفِي الوُجُودِ تَوَسَّسَا

نَصْحُو عَلَيْهِ، كَأَنَّ أَوْجَاعَ الدُّنَا

لَمْ تَنْسَ مِنَّا مَنْ تَأَلَّمَ وَاقْتَسَى

مَاذَا نُسَمِّي مَا يُقِيمُ بِرُوحِنَا؟

حُزْنًا؟ أَمِ اسْمًا آخَرًا لِلأَنْكِسَا؟

إِنِّي كَتَبْتُ، وَكُلُّ مَا فِي قَلْبِنَا

لَيْسَ سِوَى وَجْعٍ يُقَاوِمُ… وَاكْتَسَى

...