تحميل...

لا ملجأ بعد اليوم ...

زهير دعيم
نُشر: 18:11

شادي ابن السابعة ، طفل حزين جدًا في هذه الأيام ، يبكي كلّ

الوقت بهدوء وصمت ، ويرفض أن يتناول طعامه كما كان يفعل ،

حتى عصير البرتقال الطبيعيّ الذي كان يحبّه لم يقربه.

حاولت أمّه أنّ تُخفِّفَ من حزنه ، فعانقته وضمّته إلى صدرها

ولكن دون جدوى ، واشترى له أبوه درّاجة حمراء جميلة لعلّه

ينسى، ولكن دون فائدة ، فظلَّ حزينًا ، باكيًا ينظرُ إلى البعيد

ويُفتِّش في الحديقة وغرف البيت وينادي : جدّي ...جدّي ..أين

أنتَ  ويروح يسأل : لماذا ...لماذا أرسلتم جدّي إلى الملجأ ، فأنا

احبّه ، أحبّ قصصه وحكاياته ، وأحبّ مرافقته في مشاويره ،

أريده أنْ يعود إلى البيت.

وتمسح ألامّ دموع وحيدها وتقول : ... انها الظروف يا حبيبي ،

لعنَ الله الظروف ، ولكن اطمئن فقريبًا سوف نأخذكَ إليه ، فالملجأ

لا يبعد كثيرًا عن بيتنا ، انّه بجانب مدرستكَ يا شادي ..قريبًا يا

بُنيّ سنزوره أنا وأنت وأبوك ، وسنأخذ له في عيده كعكةً جميلة

لذيذة.

انّه قريب من المدرسة ....هزَّ شادي رأسه ثُمَّ صمت ، ونام تلك

الليلة نومًا هادئًا.

وفي الصّباح استيقظ على غير عادته في الأيام الأخيرة ، استيقظ

نشيطًا ، مرِحًا ، ففرك أسنانه ، وغسل وجهه ويديه وسرَّحَ شعره

وتناول زوّادته وذهب إلى المدرسة.

رأى الوالدان ابنهما والبسمة تعود إلى مُحيّاه ، ففرحا كثيرًا وقالا:

لقد نسيَ ...لقد مرَّت المُشكلة على خير .

لذلك قرّرت ألامّ أنّ تُجهّز طعامًا شهيًا وعصير برتقال طبيعيًّا بهذه

المناسبة الجميلة .

انتظرت الامّ وانتظرت ، فها هي السّاعة تُقارب على الثانية بعد

الظهر ، وهو الموعد المُحدّد لعودة شادي من المدرسة .

ولكنّ شادي لم يَعُد ، وانتظرت الأمّ نصف ساعة ولكن دون

جدوى ، فخَفَقَ قلبها هَلَعًا وقامت تُهاتف المدرسة ، فأخبرتها

السّكرتيرة أنّ جميع الطلاب تركوا المدرسة عائدين إلى بيوتهم.

ازداد خوف الام وتضاعفت حيرتها ، أتتصلُ بزوجها المحامي

المتواجد في مكتبه أم تنتظر ؟ .

وقرّرت الانتظار نصف ساعة أخرى ، ولكن لا خبر، فها قد

مضى أكثر من ساعة على انتهاء الدّوام المدرسيّ ، وشادي لم يَعُد

، وليس من عادته أنْ يفعل ذلك.

وأخيرًا قرّرت أن تتصل ، فابنهما ، وحيدهما أهمّ من ألف مكتب،

وألف عمل !!

وحضر الزّوج إلى البيت سريعًا والقلق يملأ تفكيره ، كيف لا

والفصل شتاء والسماء عابسة.

تشاور الزوجان ، أيخرجانِ إلى الشّوارع يبحثان عنه ، أم يتصلان

بالشُّرطة ؟!

يا الهي ارحمنا صرخت الامّ ، أعدْ إلينا شادي ، أعده سالمًا فقد

تعذبّنا حتى رأيناه !!!

ها هو جرس الهاتف يرنّ ، فيسرع الأب إليه ، ليصرخ بعد

لحظات قليلة : شكرًا...شكرًا لله ، سآتي حالاً وسريعًا .

وبكت ألام من الفرح وهي تستفسر ، كيف ومتى وأين؟ والزوج

يقول لها في السّيّارة سأخبرك بكلّ شيء هيّا أسرعي.

ركبا السّيارة. وفي الطريق أخبر الزوج زوجته بأن المُتصل ما

هو الا الجدّ من الملجأ وشادي لديه ، فقد وجده البوّاب قبل لحظات

بجانب بوّابة الملجأ ، والمطر يقطر من ثيابه.

****

وبعد أقلّ من ساعة واحدة عادت السّيّارة البيضاء إلى الحارة ،

ونزلت منها الزوجة وزوجها يحمل حقيبة كبيرة ، ومن الباب

الخلفيّ نزل الجدّ وهو يُمسك بيد حفيده والبسمة تملأ وجهيهما.

...