تحميل...

العرب في إسرائيل... وهم التمثيل البرلماني بين قوانين الإقصاء وصوت المقاطعة..

مرعي حيادري
نُشر: 14:57

منذ أكثر من سبعة عقود، يعيش الفلسطينيون في الداخل معادلةً معقدة: مواطنون في دولة قامت على أنقاض شعبهم، وأصحاب هوية فلسطينية يواجهون يوميًا سياسات الإقصاء والتهميش. إسرائيل، التي أرادت إقناع العالم بوجهها الديمقراطي، منحت العرب حق الترشح والتصويت للكنيست، لكن التجربة الطويلة أثبتت أنّ هذه الخطوة لم تكن سوى لعبة ديمقراطية ديماغوغية تهدف إلى تجميل صورة الدولة أمام المجتمع الدولي، دون أي نية حقيقية لدمج العرب أو منحهم مكانة متساوية.

من المشاركة إلى حدود اللعبة.

منذ أوائل الخمسينيات، ظهرت أحزاب عربية ارتبط بعضها بالأحزاب الصهيونية الكبرى، فيما حاولت أخرى تمثيل العرب كقوة مستقلة. لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن سقف اللعبة مرسوم بدقة: يمكن الحديث عن قضايا خدمية أو اجتماعية، لكن لا يمكن الاقتراب من جوهر المسائل السياسية – الأرض، الهوية، حق العودة، والمساواة الكاملة.

النتيجة: حضور شكلي داخل البرلمان، دون قدرة على تغيير السياسات الجوهرية أو التأثير في صنع القرار.

قوانين عنصرية وحصانة مفقودة..

الأحداث الأخيرة أكدت أن وجود النواب العرب لم يكن عائقًا أمام سَنّ أكثر القوانين عنصرية وإقصاءً، ومنها:

- قانون القومية (2018): الذي حصر حق تقرير المصير في الشعب اليهودي وحده، وأقصى العرب دستوريًا.

- قوانين هدم البيوت والمصادرة: التي ما زالت تستهدف القرى والمدن العربية بلا حماية من نواب الكنيست.

- إجراءات التضييق على الحريات: التي طالت حتى النواب أنفسهم، حيث لم تعد الحصانة البرلمانية تمنع الملاحقة والتحريض ضدهم.

هذه القوانين لم يستطع النواب العرب وقفها أو حتى التخفيف من حدّتها، وهو ما يعكس محدودية دورهم وبطلان فكرة أن الكنيست يمكن أن يكون ساحة دفاع حقيقية عن حقوق العرب.

أزمة الثقة وتراجع المشاركة.

انعكس هذا العجز على ثقة الشارع العربي. فمع مرور الزمن، تراجعت نسبة التصويت للكنيست بشكل متواصل، حتى وصلت في بعض الدورات الأخيرة إلى أكثر من 55% امتناعًا. هذه النسبة العالية ليست حالة عزوف سلبي فحسب، بل هي في نظر الكثيرين أداة احتجاج سياسي أقوى من التصويت. الامتناع يوجّه رسالة مزدوجة:

- للمؤسسة الإسرائيلية: بأن العرب لا ينخدعون بمسرحية الديمقراطية الشكلية.

- للعالم: بأن نواب الكنيست العرب ليسوا العنوان الحقيقي لقضايا الشعب الفلسطيني في الداخل.

البعد الإقليمي وتأثير غزة والضفة..

ما يجري في غزة والضفة الغربية يضاعف فقدان الثقة. فبينما يواجه الفلسطينيون هناك الحصار والحروب والاعتداءات، يُدرك عرب الداخل أن وجود نوابهم في الكنيست لم يمنع التهويد، ولا العدوان، ولا التشريعات العنصرية. بل على العكس، صار هذا الوجود يُستخدم كذريعة لتسويق إسرائيل عالميًا على أنها دولة ديمقراطية تمنح الأقليات تمثيلًا، بينما الحقيقة أن هذا التمثيل بلا سلطة ولا تأثير.

الخلاصة..

لقد أثبتت التجربة أن الكنيست لم يكن يومًا ساحةً حقيقية للدفاع عن العرب في الداخل، بل كان وسيلةً لتجميل صورة إسرائيل عالميًا. فشل النواب في منع قوانين مصيرية مثل قانون القومية أكبر دليل على أن وجودهم لم يُجدِ نفعًا، وأن أصوات المقاطعة باتت أحيانًا أكثر فاعلية ووقعًا من المشاركة نفسها.

إنّ أي حل نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لا يقوم على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، لن يفضي إلى استقرار أو هدوء، لا في المنطقة ولا على مستوى العالم. أما استمرار تجاهل هذا الحق، مقرونًا بالسياسات العنصرية ضد عرب الداخل، فلن يقنع المواطن العربي بجدوى الكنيست ولا بجدوى وجود نوابه.

وعليه، فإن المقاطعة الشعبية قد تتحول إلى أداة مقاومة سياسية سلمية، ورسالة قوية للعالم بأن معركتنا لا تُختزل في لعبة برلمانية عقيمة، بل تتعلق بالحرية والهوية والعدالة التاريخية.

اللهم اني كتبت وحللت وأستنتجت وأن كنت على خطأ فصححوني..

انتهى..

...