لا تغترّوا بالباطل
«لا يغركم أحد بكلام باطل، لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية» (أفسس ٥: ٦).
آية تختصر جوهر التجربة الإنسانية مع الكلمة: الكلمة التي قد ترفع إنسانًا إلى النور، أو تُسقطه في هاوية الظلام.
الباطل كقناع
في زمن يفيض بالشعارات، يصبح الكلام الباطل أكثر خطورة من السلاح. فهو لا يواجهنا ككذب مباشر، بل يتزيّن بأقنعة براقة:
• خطاب يبرّر الطمع باسم الحرية الاقتصادية.
• شعار يشرعن القمع باسم حماية الأمن.
• فتوى تُعطي العنف قدسية باسم الدين.
الكارثة ليست في وجود الباطل، بل في قابليتنا نحن لتصديقه والانخداع به.
أبناء المعصية… هوية بالاختيار
بولس لا يتحدث عن وراثة الخطيئة بقدر ما يصف مسارًا: من يعتاد السير خلف الوهم، يصبح ابنًا له. أبناء المعصية ليسوا غرباء بعيدين، بل قد نكون نحن متى تخلّينا عن يقظة الضمير، أو ارتضينا أن نصمت أمام الظلم، أو سوّغنا الباطل بحجة المصلحة.
غضب الله… العدالة التي لا تُشترى
غضب الله في هذه الآية ليس نزوة إلهية، بل عدالة كونية. إنّه القانون الذي يقول: ما يُبنى على الكذب لا بد أن ينهار، وما يُزرع بالظلم لا بد أن يُقتلع.
الغضب هنا هو انكشاف الباطل مهما طال الزمن. إنه لحظة مواجهة الحقيقة التي لا مفر منها.
راهنية النص
في فلسطين، كما في العالم، نعيش زمن تضخم فيه الأصوات التي تبيع الوهم: إعلامٌ يلمّع الفساد، خطابات سياسية تشرعن الاحتلال، مجتمعات تطبع القسوة باسم التقاليد.
وهنا، يتردّد صدى بولس من جديد: لا تغترّوا.
لا تسمحوا للكلمة أن تُختطف من معناها، ولا تعطوا للباطل فرصة أن يكتب تاريخكم.
خاتمة
هذه الآية ليست مجرد سطر من رسالة قديمة، بل هي نداء مفتوح: أن نُعيد للكلمة قدسيتها، أن نحرس وعينا من التزييف، وأن نفهم أن الكلمة التي تضلّل أخطر من الطعنة التي تجرح.
إنها صرخة كي نصون إنسانيتنا من أن نصير أبناء معصية، وكي نفتح الطريق أمام عدالة الله – تلك العدالة التي، مهما طالت غيبتها، لا بد أن تحضر