الكلمة التي تبني والكلمة التي تهدم
منذ القدم قيل إنّ “الكلمة الطيبة صدقة”، وهذا ليس مجرد قول عابر، بل حقيقة تنعكس في تفاصيل حياتنا اليومية. للكلمات أثر عميق، فهي قد تزرع في النفس طاقة إيجابية تدفعها للتقدم، وقد تترك جرحًا غائرًا لا يندمل بسهولة. لذلك من مسؤوليتنا أن ننتبه لما نقوله، خاصة في المواقف التي يكون الآخرون فيها أكثر حساسية واستعدادًا للتأثر.
كلمات الأهل: بذور الثقة الأولى
خذ مثلًا الموقف البسيط حين يعود الابن من المدرسة وهو يحمل شهادته بين يديه.
• إذا نظر والده إلى العلامات وعلّق قائلًا: “لماذا لم تحصل على علامة كاملة؟ دائمًا تخذلني”، فإن الكلمة هنا تتحول إلى سهم يصيب قلب الطفل، يزرع فيه شعورًا بالفشل والعجز، وربما يدفعه لاحقًا إلى فقدان الثقة بنفسه أو النفور من الدراسة.
• أما إذا قال الوالد: “أحسنت يا بني، اجتهدت وتقدمت كثيرًا، وأنا فخور بك، والمرة القادمة تستطيع أن تحسن أكثر”، فإن هذه الجملة البسيطة تتحول إلى وقود داخلي، تمنح الطفل إيمانًا بقدراته، وتشجعه على المثابرة والتطور.
كلمة المعلّم: تصنع طلابًا مبدعين
المعلم هو صانع الأجيال، وكلماته قد تحدد اتجاه الطالب لسنوات طويلة. كم من طالب سمع من معلمه عبارة محبطة مثل: “أنت لا تصلح للدراسة”، فانطوت نفسه، وأغلق الباب أمام مستقبله. وفي المقابل، هناك طلاب ارتقوا ونجحوا لأن معلمًا واحدًا قال لهم يومًا: “أرى فيك موهبة، وأنت قادر على تحقيق الكثير”. هذه الثقة التي يمنحها المعلّم قد تكون المفتاح الذي يفتح أمام الطالب أبواب النجاح والابتكار.
كلمة القائد: دافع أم مُحبط؟
وفي بيئة العمل، القائد هو المرآة التي ينعكس فيها الفريق. القائد الذي لا يرى إلا الأخطاء، ويُسارع في توجيه النقد السلبي أمام الجميع، يفقد ثقة فريقه، ويزرع فيهم الإحباط. بينما القائد الإيجابي الذي يقول لموظفيه: “أقدر جهودكم، وإن كان هناك مجال للتطوير فسنعمل عليه معًا”، فإنه يصنع روحًا من التعاون والانتماء، ويحوّل النقد إلى فرصة للنمو بدل أن يكون عقوبة.
كلمة الطبيب: علاج يتجاوز الدواء
المريض حين يدخل عيادة الطبيب، لا يبحث فقط عن وصفة علاجية، بل يحتاج إلى كلمة تبعث فيه الطمأنينة والأمل.
• الطبيب الذي يقول لمريضه بلهجة قاسية: “وضعك صعب جدًا، والأمر معقد، لا أعرف إن كنت ستتحسن”، يزرع في نفسه الخوف واليأس، وقد يضعف مناعته النفسية قبل الجسدية.
• أما الطبيب الذي يختار كلماته بحكمة، فيقول: “صحيح أن حالتك تحتاج متابعة دقيقة، لكن مع العلاج والالتزام هناك فرصة كبيرة للتحسن، وسأكون معك خطوة بخطوة”، فإنه يزرع الأمل في قلب المريض، ويمنحه قوة نفسية تساعده على مقاومة المرض والاستجابة للعلاج.
لهذا قيل إن الكلمة الطيبة من الطبيب قد تكون في بعض الأحيان نصف الدواء.
في العلاقات الإنسانية
وفي الحلقات الإجتماعية وبين الأصدقاء، الكلمة الطيبة قادرة على أن تفتح القلوب، وتبني جسورًا من المحبة والدعم، بينما كلمة قاسية قد تهدم سنوات من الود في لحظة.
⸻
الخلاصة
لسنا بحاجة دائمًا إلى المال أو الهدايا لنؤثر في الآخرين؛ أحيانًا تكفي كلمة صادقة، نابعة من قلب محب، لتُحدث تغييرًا هائلًا في حياة إنسان. فلنحرص أن تكون كلماتنا جسرًا يبني الثقة ويزرع الأمل، لا جدارًا يعيق النمو ويكرّس الهزيمة. فكما أن الكلمة الطيبة تبني، فإن الكلمة القاسية قد تهدم، والفارق بينهما خيارنا نحن.
رسالة عملية للقارئ
اختر كلماتك كما تختار بذورك، فكل كلمة تزرعها اليوم ستُثمر غدًا، فازرع الخير والأمل، وابتعد عن القسوة والهدم.