عندما يقع أولادنا ضحايا للتنمّر: ما الذي علينا فعله؟
إشارات الخطر الأولى
التنمّر ليس دائمًا صراخًا أو لكمات، بل قد يبدأ من تغيّر في ملامح المزاج، انسحاب صامت، أو تراجع مفاجئ في الدراسة. الطفل المتنمَّر عليه نادرًا ما يطلب المساعدة مباشرة، بل يبعث إشارات خفية. هنا تبدأ مسؤوليتنا: أن نقرأ السلوك كلغة، لا مجرد تصرف عابر.
“لا تسأل طفلك: لماذا لم تخبرني؟ بل اجلس إلى جواره كمن يقول: أنا هنا لأسمعك.”
الإصغاء لا المحاكمة
تؤكد النظرية الإنسانية لكارل روجرز أن القبول غير المشروط هو الطريق الأول للشفاء. فلا نضع أنفسنا مركز الحكاية (“لماذا يحدث هذا لابني؟”)، بل نترك الطفل يقود الحوار، نصغي ونكرر ما يقوله لنثبت اهتمامنا.
مواجهة الاعتقاد المشوّه
الأطفال غالبًا يلومون أنفسهم: “أنا السبب، لم أكن قويًا بما يكفي”. هنا يبرز دورنا في تصحيح الفكرة. وفقًا لـ نظرية الإدراك الاجتماعي لباندورا، يجب أن نؤكد أن التنمّر خلل في الآخر لا في الضحية.
يمكن استحضار قصص شخصيات معروفة تعرضت للتنمّر ثم أصبحت علامات في مجالاتها، ليدرك الطفل أن كونه ضحية لا ينفي قوته.
لغة الجسد تصنع الفارق
المتنمّر يبحث عن ضعفٍ يلتقطه. لذلك علينا تدريب أطفالنا على لعبة الأدوار (Role Play): النظر في العين، رفع الصوت بثقة، والوقوف باستقامة. حتى إن لم يشعروا بالقوة داخليًا، فتمثيلها يغيّر قواعد اللعبة.
مرساة جديدة للاستقرار
من منظور علم النفس الإيجابي، بناء نقاط قوة جديدة يرفع المناعة النفسية. لذا، شجعوا أبناءكم على الانخراط في نشاطات جديدة: رياضة دفاع عن النفس، ورش فنية، مجموعات كشفية. فهناك يكتسبون أصدقاء جدد ويعيدون بناء ثقتهم.
“أحيانًا التخلّي عن الملاحظات الصغيرة – مثل ترتيب الغرفة – أهم من ملاحقة الوجع الكبير.”
لا حلول سحرية
الصدق مع الطفل ضرورة: قد لا نملك كل الإجابات، لكن يمكننا البحث عنها معًا. وعند الحاجة، فإن التوجّه لمختص نفسي ليس ضعفًا بل وعي وحماية.
متى نتدخل مباشرة؟
إذا استمر الأذى، يصبح التدخل واجبًا. فوفقًا لـ هرم ماسلو للحاجات، الأمان أساس كل نمو. هنا يجب التوجه للمدرسة أو المستشار، لكن بمرافقة الطفل لا بغيابه، حتى لا يشعر أنه فقد السيطرة على مصيره مرة أخرى.
خاتمة
التنمّر جرح نفسي قد يمتد أثره لسنوات، لكن بوعي الأهل وإصغائهم يمكن تحويل الألم إلى فرصة للنمو. أطفالنا يحتاجون أن نكون حلفاء لا قضاة، شركاء لا أوصياء. قوتهم الحقيقية تُقاس بقدرتهم على النهوض، لا بعدد المرات التي وقعوا فيها.