تأثيرات سياسية، دينية وسيكولوجية للفيلم "صوت هند رجب"
تأثيرات سياسية، دينية وسيكولوجية للفيلم "صوت هند رجب"
بقلم: جيهان حيدر حسن وفؤاد سليمان
في هذه المقالة المشتركة، حاولنا أن نرسم ملامح التأثيرات المتعددة لفيلم "صوت هند رجب"، من الزاوية السياسية والدينية والسيكولوجية، مستعرضين كيف تحوّل صوت الطفلة الشهيدة إلى شهادة إنسانية ورمز عالمي للمقاومة والأمل.
جيهان حيدر حسن:
البعد السياسي لفيلم صوت هند
يشكّل فيلم "صوت هند رجب" عملاً فنياً يحمل في طياته أبعاداً سياسية وإنسانية عميقة، تتجاوز مجرد سرد قصة الطفلة الشهيدة هند رجب. يمكن تلخيص الأبعاد السياسية للفيلم في النقاط التالية:
• فضح جرائم الاحتلال: يعتمد الفيلم على التسجيلات الصوتية الحقيقية لهند رجب، ما يجعله وثيقة إدانة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي. إنه ليس مجرد عمل درامي، بل شهادة سينمائية دامغة على مقتل طفلة بريئة وعلى عجز العالم عن إنقاذها. يكشف الفيلم حجم البشاعة التي يمارسها الاحتلال، وكيف يتعامل مع المدنيين، ولا سيما الأطفال، على أنهم "أضرار جانبية" في الحرب.
• كسر حاجز الصمت واللامبالاة: يعيد الفيلم قصة هند إلى الواجهة العالمية بعد أن حاول الاحتلال دفنها. إنه صرخة في وجه الصمت الدولي واللامبالاة، ويهدف إلى تحريك الوعي العالمي بما يجري في قطاع غزة. كما أن عرضه في مهرجانات عالمية مرموقة مثل مهرجان فينيسيا يمنحه منصة قوية لإيصال الرسالة السياسية إلى جمهور واسع، بما في ذلك جمهور لا يتابع الأخبار السياسية يومياً.
• السينما كأداة للمقاومة: يؤكد الفيلم أن الفن، وخاصة السينما، يمكن أن يكون أداة فعّالة للمقاومة والنضال. إنه سلاح غير تقليدي في مواجهة الرواية الإسرائيلية الرسمية. ومن خلال قصة إنسانية مؤثرة، ينجح الفيلم في كسب التعاطف العالمي وإحداث تغيير في الرأي العام، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى ضغوط سياسية على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر عدلاً تجاه القضية الفلسطينية.
• إدانة العالم المتواطئ أو الصامت: لا يدين الفيلم الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل يوجه إدانة ضمنية للعالم الذي "يواصل المشاهدة وكأنه لا يسمع"، كما قال أحد النقاد. يعكس الفيلم حالة العجز الدولي، حيث لم تتمكن منظمات الإغاثة الإنسانية، مثل الهلال الأحمر، من الوصول إلى الطفلة لإنقاذها بسبب القصف المستمر. هذه الرسالة تهدف إلى مساءلة المجتمع الدولي عن تقاعسه.
• تحويل الضحية إلى رمز: يحوّل الفيلم الطفلة هند رجب من مجرد ضحية إلى رمز وشاهدة أبدية على الجريمة. صوتها، الذي كان يتوسل النجدة، يصبح رمزاً لصوت غزة بأكملها وشعب يطلب النجاة. هذا التحول يحمل بعداً سياسياً عميقاً، إذ يجعل من قضيتها قضية إنسانية عالمية لا يمكن نسيانها أو تجاهلها.
البعد الديني
يمكن استنتاج الأبعاد الدينية لفيلم "صوت هند رجب" من عدة زوايا، رغم أن الفيلم لا يركّز بشكل مباشر على الجانب الديني، بل على الجانب الإنساني والسياسي. ومن أبرز هذه الأبعاد:
• البراءة في مواجهة الظلم: يمثل صوت الطفلة هند رجب صوت البراءة المطلقة. وفي الأديان السماوية، تعدّ براءة الأطفال وسلامتهم قيمة عليا. استشهاد طفلة بريئة بهذا الشكل الوحشي يثير تساؤلات حول العدالة الإلهية على الأرض، ويجعل من قصتها صرخة إنسانية ودينية في آن واحد. الفيلم يضع المشاهد أمام اختبار أخلاقي وديني: كيف يمكن أن يحدث هذا الظلم؟ ولماذا صمت العالم؟
• الشهادة والإيمان: في السياق الإسلامي، يُنظر إلى من يلقى حتفه في ظروف مشابهة كشَهيد. والشهادة ليست مجرد نهاية للحياة، بل منزلة رفيعة ومكانة خاصة عند الله. الفيلم، من خلال توثيقه اللحظات الأخيرة لهند، يحوّل موتها إلى شهادة، ليس فقط على جرائم الاحتلال، بل أيضاً على إيمان شعب يصمد في وجه القهر.
• الدعاء والتوكل على الله: في تسجيلات هند الصوتية قد نجد لحظات من الدعاء أو التوكل على الله، وهو ما يجسّد البعد الديني بشكل صريح. وحتى إن لم تكن هذه الكلمات واضحة، فإن حالة العجز واليأس التي مرّت بها هند تجعلها تلجأ إلى خالقها. هذه اللحظات تمثل جوهر الإيمان، حيث لا يبقى أمام الإنسان المظلوم سوى الاستعانة بالقدرة الإلهية.
• المسؤولية الدينية والأخلاقية: يطرح الفيلم سؤالاً ضمنياً على المتفرجين، سواء كانوا مسلمين أو من أي ديانة أخرى: ما هي مسؤوليتنا تجاه هذا الظلم؟ فالإيمان في جوهره ليس مجرد طقوس، بل التزام أخلاقي بالوقوف مع الحق ومقاومة الظلم.
• الرمزية الدينية للأرض المقدسة: تدور أحداث الفيلم في غزة، جزء من فلسطين، وهي أرض مقدسة في الديانات السماوية الثلاث. هذا البعد الجغرافي يمنح الفيلم أهمية دينية إضافية. فالصراع على هذه الأرض له أبعاد دينية عميقة، وقصة هند تضيف مزيداً من العمق، حيث تصبح مأساة فردية جزءاً من صراع ديني وتاريخي أكبر.
فؤاد سايمان:
يسلط الفيلم الضوء على وحشية العدوان على أطفال غزة بقالب درامي مليء بالصور الصادمة والمعبرة، التي تصف مأساة الشعب الغزي بتفاصيلها وقسوتها. وهو بالنسبة لأهل غزة بمثابة صرخة عالمية للنجدة، أما بالنسبة لعرب الـ48 الذين يشاهدون المآسي التي يتعرض لها إخوانهم في غزة بلا حيلة، بسبب سياسة تكميم الأفواه، فإن الفيلم يعزز تضامنهم مع الضحايا، ويتحدث نيابةً عنهم. إن تضامنهم صعب التعبير عنه بسبب وجودهم تحت حكم الدولة الإسرائيلية التي تبالغ في دعم المستوطنين وتتبنى سياسات قمعية ضد من يعارض الحرب والعدوان.
لقد جاء توقيت إنتاج وعرض فيلم "صوت هند رجب" في أوج الحرب الدامية على غزة، وهو ما جعل تأثيره أقوى وأشد وقعاً.
البعد السيكولوجي
بالنسبة للأثر السيكولوجي على عرب الداخل، فإن الفيلم يحررهم من الشعور بالقيد المفروض عليهم بالصمت وقبول الرواية الإسرائيلية، التي تبالغ في إبراز أهمية نجاة اليهود المخطوفين مقارنة بأبرياء غزة. مشاركة ممثلين من عرب الـ48 مثل عامر حليحل وكلارا خوري عزّزت هذا الشعور بالتحرر والتضامن مع مضامين الفيلم المناهضة لجرائم الحرب.
أما تأثير الفيلم على أهل غزة، فهو يبعث فيهم بعض الأمل بالنجاة، إذ يرون أن السينما العالمية، وكبار نجومها مثل براد بيت وخواكين فينيكس، يقفون إلى جانبهم في رفض الحرب والدعوة لإنهائها. كما يجلب الفيلم الكثير من التأييد للقضية الفلسطينية أينما عُرض.
أما المجتمع الإسرائيلي، فهو منقسم إلى قسمين: قسم ينكر مضامين الفيلم ويسعى إلى تهميشه لمنع تأثيره على الرأي العام العالمي، بهدف السماح باستمرار الحرب؛ وقسم يساري يؤيد إنهاء الحرب في غزة والسعي إلى اتفاق لتحرير الأسرى، ويتضامن مع الأبرياء والأطفال الفلسطينيين.
وبالنسبة لأطفال العالم الذين قد يشاهدون الفيلم عند توفره عبر الشاشات أو منصات الإنترنت، فقد يشعرون بالفخر بأن كبار المنتجين ساهموا في إنتاج فيلم يروي قصة طفلة فلسطينية ضحية للحرب. إن فيلم "صوت هند رجب" قد يداوي خوف الأطفال حول العالم من الحروب والصواريخ، لأنه يحوّل معاناة هند إلى صرخة إنسانية عالمية.
ها أنا أشرب عصير الليمون بالنعنع وأتناول باجيت التونا بالمايونيز في غرفتي بحيفا، محدقاً في شاشة حاسوبي عقب مكالمة هاتفية عميقة مع صديقي إلياس شوفاني، التي حللنا فيها وضعنا المعقد كعرب مهمّشين في دولة تتعامل مع الأقلية العربية المسيحية وكأنها بلا كلمة أو مكان في اتخاذ القرارات الدولية. وأقول لنفسي: "فؤاد، إن كل صلاة من جيهان ومنك ضد إبادة الشعب الغزّي بركة." وفيلم "صوت هند رجب" صلاة وبركة نفتخر بها كفلسطينيين.