ملاحظات في العملية الاسرائيلية في الدوحة
العملية الاسرائيلية في الدوحة هي بالضرورة بتنسيق اسرائيلي امريكي تفصيلي ودقيق ولا يمكن غير ذلك. اسراع نتنياهو للتأكيد بالانجليزية بأنها "عملية اسرائيلية صرف" لم يقنع حتى الاعلام الاسرائيلي الذي تجاهل تصريح نتنياهو. وفقا للاعلام الاسرائيلي لا يمكن عملياتيا ان تدخل طائرات عسكرية اسرائيلية الى قطر دون رصدها مع قاعدة العيديد الامريكية الكبرى ودون التنسيق المسبق معها. وفقا لكل التقديرات العسكرية فالعملية هي نتاج عمل وتخطيط طويل الامد، والسعي لربطها بعملية القدس يوم 8 ايلول ليس دقيقا بل مغاير للحقيقة اذ ينفي قائد سلاح الجو الاسرائيلي السابق ايتان بن الياهو وجنرالات اخرون اية احتمالية عملياتية لان تكون عملية الدوحة هي رد فعل على عملية القدس لانها تحتاج الى اعداد مسبق طويل وتدريبات وتحيّن الفرصة.
وفقا للعملية فإن التنسيق الامريكي الاسرائيلي المبني على التوافق التام بين ادارة ترامب وحكومة نتنياهو في افضل وضع للطرفين منذ اكتوبر 2023.
العملية مفاجئة بكونها تحدث في عاصمة عربية وسيطة في المفاوضات وهناك علاقات قوية بين البلدين وطويلة الامد منذ ثلاثة عقود حتى وإن لم تكن دبلوماسية رسمية، وفي انتهاك صارخ للسيادة القطرية. فعليا هذه ثاني عاصمة عربية ليست في حالة حرب معها تنتك اسرائيل سيادتها حربيا وذلك بعد استهداف قيادات منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في العام 1985.
البعد الاخر المفاجيء فيها هو انها عملية عسكرية مكشوفة وكبيرة يقوم بها الجيش والشاباك وليس من نوع عمليات الموساد التي عادة ما تسعى في عواصم ليست معادية الى تنفيذعمليات محددة وإجمالا تستهدف شخصية واحدة والسعي لعدم ترك بصمات يدل على المسؤولية الاسرائيلية.
في نظرة الى الوراء نجد ان التهديد الرسمي بتصفية قيادات حماس في الخارج حدث في السابع من اكتوبر 2023 ومنذ ذلك الحين تكرر اسرائيليا وامريكيا وعلى اعلى المستويات. مؤخرا كان لافتا تكرار التهديد الامريكي بتصفية قيادات حماس، ضمن استراتيجية المفاوضات بالقوة وحتى بالاستسلام.
تنضوي العملية في اطار نمط التقويض الذي طورته اسرائيل في في لبنان بتصفية قيادات وعناصر حزب الله وامينه العام، وفي ايران باستهداف قادة اركان الجيش والمؤسسة الامنية، ومؤخرا في اليمن باستهداف اقطاب الحكومة الحوثية.
لماذا انتهكت اسرائيل السيادة القطرية واعتدت على البلد؟
هناك نقاش اسرائيلي وبعض التحفظات اذا ما استهدفت العملية سيادة قطر كهدف بحد ذاته ام ان الهدف اقتصر على قيادات حماس. كما لا تزال التقديرات الاسرائيلية تنحصر في احتمالين، فإما ستنسحب قطر من الوساطة في المفاوضات وتقطع علاقاتها غير الرسمية مع اسرائيل وتحثّ دولا عربية وحصريا خليجية اخرى للحذو حذوها، او انها ستدفع ترامب الى تكثيف مساعيه والضغط على اسرائيل لوقف الحرب وابرام الصفقة دون اعادة احتلال غزة المدينة. ام ستدفع قطر الى الطلب من قيادات حماس بمغادرتها في حال فشلت العملية الاسرائيلية.
سياسيا داخليا، لا يزال نتنياهو متورطا ومكتبه في فضائح ما يسمى "قطر جيت" والتي تعتبر مساً من مساعديه ةتحت مسؤوليته بالامن القومي الاسرائيلي.
مفاوضات تحت النار أم تغيير جوهري في مفاوضات الصفقة؟
درج نتنياهو وحكومته الى الاكثار من الحديث عن مفاوضات تحت النار. هناك من يعتبر العملية بأنها مسرّع للمفاوضات باعتبارها، في حال نجحت فعليا، لتكون بمثابة صورة انتصار كبرى يأتي بها نتنياهو الى الداخل الاسرائيلي والى ادارة ترامب ويعلن ان الظرف قد حان لانهاء الحرب باعتباره حسم الحرب وهزم حماس. بل اكد نتنياهو مساء 9/9 بأن الحرب قد تنتهي "لاننا اتخذها المبادرة وقمنا باستهداف كل قادة حماس كما وعدت في بداية الحرب"
نسف المفاوضين أم نسف المفاوضات؟
توحي العملية بأن لدى حكومة نتنياهو مخطط رهيب لقطاع غزة، لا يريد من اجل ذلك لاية مفاوضات ان تنجح بوقف الحرب ما دامت السيطرة الاسرائيلية الامنية مطلقة وما دام اي حل بالنسبة له يتطلب تراجعا عما حققته عسكريا آلة الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة.
هل تنقل اسرائيل عاصمة المفاوضات الى واشنطن؟
أدرك نتنياهو مسبقا ما قد يحصل للعلاقات مع قطر، وانسحابها ولو مؤقتا من مهمة الوساطة. لكنه يعمل بمثابرة وبشكل منهجي ومنذ اسابيع كثيرة على تغيير الوسيطين العربين مصر وقطر اذا ما كان قادرا على ذلك.
تسعى اسرائيل الى استبعاد الدور المصري صاحب الاثر الاكبر وصاحب الرؤية المبلورة للحل السياسي وليس فقط للامني، وللاشراف على مشروع اعادة اعمار غزة وفقا لمخرجات قمة القاهرة الاستثنائية ولادارة القطاع بصيغة عربية دولية وفلسطينية. فيما يتنافى هذا مع رؤية حكومة نتنياهو بمعارضة الحل السياسي والى اعتماد الحلول الامنية نموذجا في غزة ولبنان وسوريا وخاضعة للتفوق العسكري والامني الاسرائيلي. كما تدرك اسرائيل حيث لا تزال النوايا بالتهجير قائمة بأن مصر هي التي تتصدر مشروع منع التهجير.
نقل اطار المفاوضات الى تحديد عنوان واحد لها وهو واشنطن من شأنه ان يكون مقبولا على ترامب وطاقمه، وهو ايضا لا يفتش على ما هو أبعد من الحلول الامنية في هذه المرحلة على الاقل.
عنوان الضغط العربي هو ترامب
وهل سيرى ترامب مصلحة عليا الان في وقف الحرب؟
مقابل ما يسعى له نتنياهو من نقل المفاوضات الى واشنطن كعنوان وحيد، فإن هناك مواطن قوة عربية جدية فيما لو يجرى التوافق عليها واستغلالها. وأولاها توجيه الغضب العربي وحصريا المصري والخليجي تجاه ادارة ترامب وتحميلها مسؤولية الاعتداء الاسرائيلي على الدوحة وانتهاك الامن القومي العربي بالمجمل. وهل النظام العربي معني بالتهديد الفعلي باتخاذ اجراءات في هذا الصدد، اذا لم يفرض فرض ترامب على نتنياهو وقف الحرب.
بالعودة الى الصيغة الامريكية الاسرائيلية الاخيرة فإنها حملت التهديد الجوهري على حماس في حال رفضت الصيغة او تحفظت على بنود منها ستعتبرها الولايات المتحدة رفضا.
فلسطينيا:
المفاوضات المباشرة مع مبعوثي ترامب والتي اعتقدت حماس بأنها توفر لها حصانة، اتضحت بأنها مقامرة بل مصيدة، ما يؤكد الثابت الاساس في العمل السياسي الفلسطيني بأن اية محاولة للحل فلسطينيا خارج الاطار العربي سترتد على الحالة الفلسطينية. بناء عليه بإمكان حماس حصر مفاوضاتها بصفقة التبادل وعدم الخوض في مصير قطاع غزة والذي هو فعليا وبتداعياته مصير قضية فلسطين ودولة فلسطين، فيما العنوان السيادي هو م ت ف والسلطة الفلسطينية وفي اطار عربي وحصريا مصري اردني سعودي.
وتبقى العين على غزة، فهناك تحدث جريمة العصر والمقتلة الجماعية للوجود الفلسطيني، ولا اولوية لاي شيء تسبق اولوية انقاذ ما يمكن انقاذه في غزة من حياة الناس ووقف الحرب.