موجة العنف العنصري سياسة موجهة... إنها ممارسة فاشية نازية جديدة كاملة الأركان
إسرائيل عام 2025 لا تواجه “سلسلة أحداث استثنائية”، ولا تتعامل مع “عنف هامشي”. إنها تعيش داخل ظاهرة واسعة، منهجية وخطيرة من العنف العنصري والقومي ضد المواطنين العرب، ظاهرة تحظى بدعم الصمت السياسي، وبعجز الشرطة، وأحيانا حتى بتشجيع مباشر وغير مباشر من أصحاب السلطة. صمت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ليس حياديا ولا عرضيا. إنه دفعة تشجيع للبلطجية المعتدين. موافقة بالصمت. إنها موجة عنف لها سياق واضح، وجذور عميقة، وعنوان واحد لا يمكن الخطأ فيه.
الاعتداءات على سائقي الحافلات العرب في القدس ومحيطها، التي تحولت إلى “ترند” في شبكات التواصل الاجتماعي، ليست ظاهرة عفوية. إنها نتاج تحريض طويل الأمد، وتطبيع للعنف ضد العرب، ورسالة واضحة من الأعلى، دمهم مباح وكرامتهم مستباحة. وكذلك الاعتداء العنيف على محمد أبو حامد من جلجولية في تل أبيب، الذي أدى إلى إدخاله المستشفى، أو الاعتداء الوحشي على عامل النظافة خليل ريشق، الذي كُسرت له ضلعان واقتلعت أسنانه على يد شبان يهود. هؤلاء المعتدون، يجدر التذكير، كانوا قد اعتدوا قبل ذلك على سائق حافلة عربي وأصابوه. فقط تجنيد جماهيري لافت من مواطنين يهود، وهو عمل مدني يستحق الثناء، نجح في إعادة شيء من كرامة الضحية، لكنه لم يضمن تحقيق العدالة.
حتى في المنظومة القضائية يبرز تعامل متساهل ومستفز بشكل خاص مع معتدين يهود عندما يكون الضحية عربيا. يكفي النظر إلى قرارات قضائية جرى فيها تحويل بؤرة الاهتمام من نتائج العنف الخطيرة إلى شروط اعتقال المشتبه بهم. رسالة كهذه، حتى إن لم تُقَل صراحة، تتسرب جيدا إلى الميدان، وتساهم في خلق شعور خطير بالحصانة.
قائمة الحالات في الأسبوعين الأخيرين طويلة، مؤلمة ومقلقة. محمود أجبريه وصديقه جلال محاميد تعرضا للاعتداء في شارع شابازي، ونُقل محمود إلى المستشفى في حالة خطيرة. وآخرها، حتى كتابة هذه السطور، الاعتداء على عائلة عربية من يافا، وبين أفرادها امرأة حامل. حتى ذلك لم يوقف المعتدين. اندلعت احتجاجات سكان عفوية، وردت الشرطة باعتقال الشيخ لأنه ألقى خطابا خلالها. هذه هي الممارسة السائدة في الأراضي المحتلة، عندما يعتدي مستوطن على فلسطينيين، يدافع الفلسطيني عن نفسه، ثم يُعتقل هو بينما يبقى المعتدي اليهودي حرا. هكذا يبدو الأمر عندما يكون القانون في صف المعتدين. وفوق كل ذلك، هناك قائمة أطول بكثير من الحالات التي لا تُعرف أو لا يُبلّغ عنها أصلا، بسبب الخوف، أو انعدام الثقة، أو الشعور بانعدام الجدوى.
العنف داخل الخط الأخضر مرتبط ارتباطا وثيقا، عضويا، فكريا وعمليا، بالإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. لا يوجد فراغ. واقع عنيف طبع قتل البشر، وإطلاق النار، والاعتداءات العنيفة، وإحراق البيوت والممتلكات، ومنع قطف الزيتون، وتهجير المجتمعات من أراضيها، خاصة في منطقة مسافر يطا وغور أريحا، يُنتج بلطجية لا يعرفون حدودا، ولا يتوقفون عند “الخط الأخضر”. من يضرب أو يقتل فلسطينيا في الضفة الغربية وهو يعلم أنه سيفلت من العقاب، سيشعر بحرية ضرب عامل نظافة أو سائق حافلة في القدس أو عائلة في يافا. إنها الأيديولوجيا نفسها، والمنفذون أنفسهم، والنظام نفسه الذي يغمض عينيه. للمعتدين أيضا ممثلون في الكنيست والحكومة، يحمونهم ويشرعنون أفعالهم.
المطلوب: الحاق عقوبات قاسية بالمعتدين لوقف الظاهرة المتصاعدة وكذلك المطلوب من القضاة والمحاكم التوقف عن التمييز القائم بين متهمين يهود وعرب بهذا الخصوص. شرطة بن غفير ليست جزءا من الحل. إنها جزء من المشكلة. التعامل المتعاطف، وأحيانا الحامي فعلا، مع بلطجية وإرهابيين يهود، يتناقض بشكل صارخ مع العنف، والسرعة، والحزم التي تعمل بها الشرطة ضد مواطنين عرب بسبب تغريدة على تويتر، أو منشور على فيسبوك، أو حتى مجرد إعجاب. إنفاذ انتقائي ليس خللا تقنيا، بل موقف سياسي. صمت وزير الأمن القومي الداعم، وأحيانا تصريحاته الفظة، يشكلان غطاء ودعما للعنف.
حتى وسائل الإعلام المركزية ليست بريئة من المسؤولية. تجاهل حالات العنف العنصري، كامتداد لنمط أوسع من طمس المعاناة الفلسطينية، أو عرضها كأحداث جنائية منفصلة عن سياقها، يساهم في استمرار الظاهرة. الصمت هو موافقة، والموافقة هي شراكة. الاستثناء الذي يؤكد القاعدة المؤلمة هو يوسي إلي من القناة 13، الذي كشف الاعتداء وإهانة عامل النظافة خليل ريشق، وأوصل قصته إلى الشاشة.
العصابات التي تهاجم العرب ليست “ذئابا منفردة” ولا شبانا مشوشين. إنها سرايا اقتحام لليمين الفاشي الإسرائيلي، تحظى بتشجيع أيديولوجي، وبعضها أيضا بغطاء ديني. كذلك حاخامات مثل دوف ليئور وشموئيل إلياهو، الذين تشرعن فتاواهم وأقوالهم إيذاء الفلسطينيين في الضفة الغربية. لا يدور الحديث عن شخصيات هامشية، بل عن جزء من بنية فكرية تمجد التفوق وتشرعن العنف.
إسرائيل اليوم لا تريد استئصال هذه الظاهرة، لأن هناك من يجني منها أرباحا سياسية. التحريض ضد العرب تحول إلى أداة حكم مركزية. لا يهم إن كان الضحية سائق حافلة، أو عامل نظافة، أو طبيبة، أو ممرضة، أو عامل محطة وقود. العنف ينقل دائما الرسالة نفسها، أنتم جميعا غير مرئيين وغير متساوين. “دمكم مباح”.
إنها لحظة اختبار للعقلاء الذين ما زالوا في المجتمع الإسرائيلي. من يؤمن بالقيم الديمقراطية، وبالمساواة، وبسيادة القانون، لا يمكنه الاستمرار في الصمت. العنف العنصري خطير وينخر كل ما هو صالح. عنف لا يُكبح اليوم سيتحول غدا إلى قاعدة، وهذه القاعدة ستتعمق، وتتجذر، وتتوسع إلى ما هو أبعد بكثير من ضحاياها الأوائل. لم يعد الأمر “مسارات”. إنها ممارسة فاشية، نازية جديدة كاملة الأركان، حرفيا كما في الكتب. حان وقت الاستيقاظ. منذ زمن