تحميل...

قلوب نقيّة: قصّة من الأدب الاجتماعي الإنساني تلامس اضطراب "طيف التوحد"- للأديبة جميلة شحادة

بوزيان موساوي
نُشر: 10:52

بقلم؛ ذ. بوزيان موساوي، المغرب

قصة "قلوب نقيّة" للأديبة الفلسطينية جميلة شحادة، تثير في نفسي تقديرًا كبيرًا، لما تحمله من عمق إنساني ورؤية أدبية لافتة. وهي قصة بالإمكان إدراجها ضمن الأدب الاجتماعي الإنساني، وتحديدًا في إطار ما يُعرف نقديًا بـأدب الإعاقة. (Disability Literature) 

"قلوب نقيّة" لا تقدِّم الإعاقة بوصفها خللًا فرديًا، بل بوصْفها نتاجًا لعلاقة مضطربة بين الفرد والمجتمع.  وهي تُعد من النّصوص القليلة في الأدب الفلسطيني التي تلامس اضطراب "طيف التوحد" في سياق سردي واقعي. في هذه القصة، ترسم المؤلّفة لوحة مؤثرة لعلاقة براءة ومحبّة فطرية تنشأ بين الطفل "تامر" والطفلة "رنيم"، دون الانتباه لتصنيفات مثل "توحدّي" أو "طبيعيّ". لقد وضعت المؤلّفة جميلة شحادة بخبرة تربوية واضحة، مفاهيم التفرقة وسلبية الصّور النمطية حول الأطفال ذوي التوحّد في قلب السرّد، بلغة واضحة، سلسة، دون تزويقٍ أو تكلّف، أو تعابير معقدّة ومركبّة، ولكن عند التأمّل، يجد القارئ أن هذه التعابير تُخبّئ ما وراءها طبقات من المعاني. لقد استعملت المؤلفة حوارًا تربويًا هادئًا وهادفًا، يُظهر خبرتها التربوية في قدرتها على تضمين رسائل تعليمية وتربوية وأخلاقية، لكن بعيدًا عن أسلوب التلقين وإعطاء الموعظة.

قصة "قلوب نقية" توحي بأن المجتمع هو مَن يصنّف ويخلق الفواصل والعقبات، بينما الأطفال أنفسهم قادرون على تجاوز ذلك دون عناء. كما أن القصة لا تقدّم التوحّد بوصْفه مشكلة فردية، بل بوصفه كاشفًا لخلل بنيوي في الوعي المجتمعي والمؤسسيّ. ففي القصة لا يُقصى "تامر"، الطفل التوحّدي، بسبب سلوكه أو خطورته على الآخرين، بل بسبب الخوف والجهل والأحكام المسبقة التي تُسقطها الجماعة عليه، وهي مُمثَّلة في القصة بشخص المهندسة، أم رنيم.  كما وأظهرت القصة، عبر بنيتها السردية ولغتها المباشرة، فشل المؤسسة التعليمية في أداء دورها الدمجيّ، وتحوّلها إلى أداة لإعادة إنتاج الإقصاء تحت غطاء “الحرص” والمصلحة العامة”. هذا وقد نجحت المؤلفة شحادة في قلب منظومة القيم السائدة، حين جعلت “النّقاء” صفة للطفل المختلف، ومنحت الطفل الصّامت صوتًا مقابل تلوّث الوعي الجمعي الذي يدّعي العقلانية والانضباط، واستطاعت أن تجعل التوحّد مرئيًا اجتماعيًا. فجاء تناولها لموضوع التوّحد بوصْفه قضية اجتماعية لا طبية. وعليه، يمكن القول إن «قلوب نقية» جاءت لتقول: "ليس كل مؤسسة تربوية ناجحة تُقاس فقط بما نُعلّمه للأطفال، بل كذلك بما تمنع المجتمع من قتله فيهم. وهنا لا بدّ لي أن أتطرق الى شخصية المعلمة "سوسن"، حيث مثّلت العنصر الواعي كأم وكمعلمة، حيث لم تكن مجرد شخصية داعمة، بل رأت في الطفل المختلف ما لم يرَه الآخرون. فبينما عومل الطفل المتوحّد كحالة خاصة من قبل المجتمع (الأهل)، كانت المعلمة سوسن ترى فيه إنسانًا كاملاً يستحق القبول والحب لا الشفقة، وكانت له أيضًا مرآة تُظهر له صورته الحقيقية كما يجب أن تكون، لا كما يُراد لها أن تكون.

"قلوب نقية"؛ قصة من المجموعة القصصية "سأنزل في هذه المحطة" للأديبة جميلة شحادة، التي صدرت عن دار النّشر: ناشرون - مكتبة كل شيء - في حيفا عام 2022.  

يبقى أن أنوّه، أن قصة "قلوب تقية"؛ هي إضافة نوعية إلى الأدب الفلسطيني المعاصر، إذ توسّع مفهوم الالتزام الأدبي ليشمل الدفاع عن الفئات المهمَّشة داخل المجتمع، وتفتح أفقًا جديدًا لتناول قضايا الإعاقة بوصفها قضايا إنسانية وحقوقية.

...